كلمة الدكتور الياس وراق في حفل تخرج طلاب ثانوية سيدة البلمند

2 تموز 2019

​قُدس الإرشمندريت رومانوس حنات، رئيس دير سيدة البلمند البطريركي،
السادة أعضاء الهيئة الإدارية في ثانوية سيدة البلمند،
الأساتذة الكرام،
الخريجين الأعزاء وأهلهم الأفاضل، 
أيها الحفل الكريم،


يُسعِدُني أَن أشارِكَكُم فَرحَةَ هذا اليوم، يومُ تَخَرُّجِكُم الذي طَالَما جَهِدتُم وجاهَدْتُم لِتَصِلُوا إِلَيْه.

هذا اليومُ يُمَثِّل نهايةً لمرحلةٍ دراسيةِ خَبِرتُمُوهَا في أَحضَانِ ثانويةِ سيدةِ البلمندِ العزيزة، وبِدايةً لِمَرحَلَةٍ أكثَرَ نُضُوجاً، وأهمَّ تعقيداً، وأبلَغَ أثراً في مستقبَلِكُم. إنَّ ما تَطمَحونَ إِليه في مستقبَلِكُم القريب والبعيد قد بَدَأَ منذُ دُخُولِكُم هذه المدرَسَةِ وسَيُستَكْمَل في الجامِعَةِ التي تَرتادُون.

إِنَّ طموحَكُم في مستقبلٍ زاهرٍ وحياةٍ راغدةٍ يَرتَكِزُ على ماذا تَعلَمُون وأَينَ تَتَعلَّمون. مِنْ هُنا أُريدُ أَنْ أُؤَكِدَ بعضَ الثوابِت التي قد تَتْرُكُ الأَثَرَ العَمِيق على مُستَقبَلِكُم. إِنَّ أهمَّ هذهِ الثوابِتَ هو جُهدَكُم وصَبرَكُم وثِقَتَكُم بِنَفسِكُم. إنَّ هذِهِ العوامِل هي التي تُعطِيكُم الزَخمَ الكافِي لمواجَهَةِ مَصَاعِبَ التعليمِ الجامعي، وتَبْعَثُ فِيكُم رُوحَ الاندفاعِ لتَنْطَلِقوا قُدُماً في تَحصيلِكُم العِلْمي. أما الجانِبَ الآخرَ المُكَمِّل لِمَجهُودِكُم هَذَا، فَهوَ يَرتَبِطُ ارتِباطاً وثيقاً بالقيمَةِ العِلْمِيَة للشهادَةِ التي تَحْصُلُونَ عَلَيهَا وهذِهِ القيمَةِ الأَكادِيميةِ هي ما تَمنَحُهُ الجامعةِ التي تَلتَحِقُون بها. مِن هُنا أودُّ أَنْ أُشَدِّد على مَبْدَأ أساسي أَلا وَهُوَ أَنَّ قِيمَة ما تَحصُلُون عَلَيه من شَهاداتٍ تَكونُ في ما تَفتَح أمامَكُم هذه الشهادات مِن مَجالاتِ عَمَل في زمنٍ تَكثُرُ فيهِ المَصَاعِب، والمَتَاعِب، ويَحتَدِم فِيهِ التنافُس، وتَشِحُّ فيهِ فُرصِ العَمَل. مِن هُنا يَجِب أَن تَكُونَ خِيَاراتُكُم مَدروسة من ناحيَةِ أيِّ نوعٍ منَ الجامعاتِ تُريدونَ أَنْ تَرْتَادُوا. 

فَمَع الأَسَف، إنَّ بعضَ الجامعاتِ التي لا تَرقَى إلى المُستَوى الأَكَادِيمي الذي نَطمَحُ إِليه، والتي استَحصَلَت بطُرُقٍ مُلتَويةٍ على التَراخِيصِ التَربَوِية، هِي فَخٌّ يَجِب أن تَتَجَّنَبُوه. فَبالرُغْمِ مِن "تِنْزِيلات الأَسْعَار" "Soldes" التي تَلْجَأُ إِلَيها هذِهِ الجامِعَاتِ لِكَي تَسْتَقطِب الطُلاب، إِلا أَنَّها تَبقَى بَعيدَة كُل البُعْد عَن مَنَاقِبية التَعلِيم الجَامِعي والقِيمَةِ الأَكادِيمِية التِي يَجِب أَن تَحصُلوا عَلَيها في شَهَادَتِكُم. هذِهِ "الجامعات الشركات" لا تَرقى أَن تُنَافِسَ الجَامِعَات الأَكادِيمِية كَجامِعَةِ البلمند وغَيرِها، في مُستَوَاها العِلمي، لِذا تَلجَأ إلى شبه "بيعِ" الشَهَاداتِ، شهادات لما يُشبِه العِلم والتعليم. إِحذَرُوهَا لأَنَّها كالدواء الفاسِد: فَهُو ليسَ فَقَط غير مُجدٍ، ولَكِنَّهُ مُضِّرٌ ومُؤْذِي.

مِن هُنَا تَبرُزُ مَسؤولِياتِنا كَجَامِعاتٍ تُقَدِّر الثَقَافة والمَعرِفَة. فَقَناعَتَنا كانَت وسَتَبْقى أنَّ العلمَ لا يَجِب أَن يَكُونَ حِكْراً على المَيسُورين وإِنَّما هو قوتٌ لِلرُوح كَما الطعام غذاءٌ لِلجَسَد، يَجِب أَن يَكونَ بِمُتَنَاول الجَمِيع. لِذا كُنّا ولَم نَزَل نَبذُل ما استَطَعنا مِن جُهدٍ لِتَوفيرِ المِنَحِ الجامِعية ومساعَدَةِ العَدَد الأَكبَر مِن الطُلاب، والتَخفِيف مِن العبءِ المَادِي عَلى أَهلِهِم، في بلدٍ لا رجَاءَ فيهِ بِحُكامِّه، ولا أَمَلَ بِبصيرتِهِم، ولا ثِقةَ بمِصداقِيَتِهم. فَهُم يُهمِلون الحَجَر والبَشَر، ويَقتَاتُون بالسمسَرات وَلَو على حِسَابِ الوَطَن وأَهلِه. مِن هُنا أَدعُوكُم أَن لا تَشتَروا العلمَ بِالمال، فَمَن اشتَرَى شَهادَتَهُ باعَ مُستقبَلَه. 

مِن هُنا أعودُ لأُوكِد لكُم أنَّنا في جامعةِ البلمند نَعتَبِرُ أَنفُسَنَا مُلزَمِين أخلاقياً، وأدبياً، ودينياً بطلابِ لُبنان عامةً، وطلاب ثانويةِ سيدة البلمند خاصةً، فَهي بمثابةِ نبعٍ مِعطاء لطَلَبةٍ كبراعمٍ الرَبيعِ، نَجهَدُ أن نَرعَاهم ليتَفَّتَحوا كباقاتِ الوردِ العابِقَة بمناقبيةِ هذه التلّة الأِبيَّة والمُلَوَنة بسِحرِ غروبِ الشَمسِ مِن على قمَّتِها. 

أخيراً، أَودُ أَن أتَوَجَهَ مرَّةً أُخرى بأحَرِّ التَهَاني إلى الخِرِّيجِين الأَعِزّاء مُتَمَّنِياً لهُم مُستَقبَلاً مُشرِقاً وحَياةً هَنيئَة.

كما أودُّ أن أُنهِي بعَكسِ القولِ الشَائِع:

"الدير القَريب ما بيِشفي"، فأنا أقول إنَّ دير سيدة البلمند القريب أكيد بيِشفي وجامعة البلمند القريبة أكيد بِتأَمِّن مستقبل أولادنا.

مبروك للكّل وشُكراً.



​​​​​