كلمة الدكتور وراق في احتفال التخرج

22 خزيران 2019

​صاحب الغبطة البطريرك يوحنا العاشر الكلي الطوبى،
أصحاب السيادة والمعالي والسعادة،
أعزائي الخرّيجين وعائلاتهم،



يُسعِدُني اليوم أَن أُشارِكَكُم حفلَ تَخَرُّجِكُم، تَخَرُّجِكُم من جامعةٍ أَحبَبتُمُوها وأَحَبَّتكُم، تأَلَّمَت لحُزنِكُم وابتَهَجَت لفَرَحِكُم.

هذهِ الجامعة الأُم تَحزَنُ لمُغادَرَتِكُم، حُزنَ الأُمِ لسَفَرِ أولادِها، ولكنَّها تذرِفُ دموعَ الفرحِ لأنَّها أودعَتكُم بذوراً إذا ما أحسنتُم زرعَها، تفتَّحَت مُستقبلاً زاهراً مَليئاً بالرجاء، مُفعَماً بحُبِّ الحياة وبَريقِ الأَمل. في هذا اليوم أستودِعُكم ببعض الخواطرِ، خواطرٌ أعتَبِرُها وَصَايا الأبِ لأبنائِه.

أُوصِيكم بالتواضعِ، فهو من شيمِ أهلِ العلمِ والمَعرِفة. هو الطريقُ الأقربُ لقلوبِ الناسِ والمِثالُ الأَجدى أَن يُحتَذى به. إنَّه دَليلُ الإيمانِ الحَقّ والرجاءِ الصَالح.

أُوصيكم أن تَحلُموا، فالحُلمُ أَساسُ الحياة. فمَن لا يجرؤ أن يحلُم، لا يَجرؤ أن يعيش. أحلامُكُم إذا اقتَرَنَت بالعلم والمعرفة، أصبَحَت سبيلَ النجاح وطريقَ المُستقبل، "واعلموا أنَّ أحلامَ الذين ينامون على الريش ليست أجملَ من أحلامِ الذين يفترشون الأرض"، كما قال جبران خليل جبران.

أُوصيكم أن لا تَخافوا الفَشلَ، فَمِنهُ تنبَعِث شرارةُ الإبداع. إجعلوا من فشلِكُم سَبباً للنهوض نَحو مستقبلٍ مُشرقٍ وحياةٍ أَفضل.

أُوصيكم أن تحفَظوا كَرامتَكُم واعلموا أنَّها أَغلى ما عِندكُم. ضَعوها حيثُ لا يُمكن أن تُلامِسوها. ولا تُدخِلوها جيوبَكم كي لا تدفعوا منها ثَمَناً لمصالِحِكُم. فالكرامةُ لا تُباع، ولا تُشتَرى، ولا تُستَرَد.

أُوصيكم أن تحترِموا الوقتَ، أن تُقَدِّروا الدقيقةَ في الساعةِ والثانية في الدقيقة، فالوقت كما المال قيمَتُه بما تفعلوا بهِ. والوقتُ كالكرامة إِن ذهَبَ فلَن يعود.

أُوصيكم أن لا تَخافوا الخوفَ. فالخوفُ هو عقلُ الشجاعةِ. ومَن لا يَخاف لا عقلَ له. ولكن لا تجزَعوا فَجَزَع القُبطانِ يُغرقُ السفينةَ. 

أوصيكم أن تحفظوا حُريةَ فِكرِكُم، فَحُرية الفِكرِ هي السَبيلُ إلى الإبداع، وهي أَمَلُ الشعوبِ في التطورِ، ورَجَاءُ الأوطان في الإِصلاح.

أُوصيكم أن تُحيوا بمخافةِ الله وحِفظِ تَعاليمِه. فالأديان يجب أن تُمَارَس، وأَن تَكونَ أُسلوب حياةٍ لا كَلِماتٍ نُردِدُها في دُورِ العبادة، ونَحيا بعكسِ ما تقول. كُونوا المبشِّرين بالسلامِ والمحبةِ والتعايشِ بينَ الأَديانِ، نابذين الحِقدَ والكَراهيةَ والمُتاجرة بالشعائرِ الدينية. أَحِّبوا بعضَكُم بعضاً كما قالَ السيد المسيح. وتذكَّروا أنَّ "الخلقَ كلَّهُم عيالُ الله، أحبَّهم إليه أنفعهم لعيالِه"، كما جاءَ في الحديثِ الشريف.

أُوصيكم أن تَحفَظوا جسَدَكُم. فهو هبةٌ من الله، ومَسكنُ الروح فيكُم. فلا تُنهِكُوه بالسهرِ، ولا تحتقِروه بما لا يليقُ بأخلاقِكُم وحُسنِ تربيتِكُم. فإِن أصابَكُم النعاس إِسمحوا للنومِ أن يتسللَ لعيونِكُم ولكن لا تسمحوا للنومِ أن يُصيبَ ضمائِرَكُم.

أوصيكم أن تُحِبُّوا وتَحترِموا أهلَكُم. فهُم بركةُ السماءِ على الأرض ورِضاهُم من رضى الخالِق. هُم الجنودُ المجهولون الذين يَبذِلون دِماءَهُم لتربحوا أنتُم حروبَ الحياةِ وتَنعَموا بغنائِم النصر.

أُوصيكم أن تنتقوا أصدقائَكُم. "فالصديق المزيف هو كالظل، يسيرُ معكُم في الشمس، ويهجركم إذا حلَّ الظلام" كما يقول جبران خليل جبران.

أُوصيكم بالكرمِ وبصُنعِ الخير. فكُلَّما أعطَيتُم بلا مقابل كلَّما رُزِقتُم بلا تَوَقُّع. إعملوا الخَير بصوتٍ هادئٍ لأنَّ أعمالَكُم تتحَدَّث عنكُم بصوتٍ مُرتفع.

أخيراً أُوصيكم أن لا تَنسوا ما تعلَّمتُم، من علمٍ وأخلاقٍ ومَعرفة.

أُذكُروا جامعَتَكُم ومَن علَّمَكُم، أُذكُروا من ألهَمَكُم ومن ساعَدَكُم.

كونوا أوفياء لأهلِكُم ومجتمَعِكُم ووطَنِكُم، وَطَناً يرقى إلى مُستوى أحلامِكُم. وَطَناً يحفظُ أولادَهُ لأهلِهِم ولا يقتاتُ من هجرةِ أبنائِه. 

هنيئاً لكم تخرُّجِكُم. هنيئاً لكلِ من ساهَمَ وساعدَ في إيصالِكُم إلى ما أنتُم عليهِ اليوم.

عِشتُم، عاشَت البلمند، عاشَ لبنان.


​​​​​