كلمة الدكتور الياس وراق رئيس جامعة البلمند في افتتاح المؤتمر الدولي International Forum on Lebanon Revival Plan “From Myth to Reality”

23 اّذار 2022

أصحَاب المَعالي والسَعادة والسِيادة،
أَعضاء الهَيئة الأكادِيمية والإِدارية،
طُلَابنا الأعِزاء،
أيُها الحَفلُ الكَريم،

إِثنانِ أَعيا الدَهرُ أَن يَبليهِما       لُبنانُ وَالأَمَلُ الَّذي لِذَويهِ

هذا ما قالَهُ إيليا أبو ماضي مُنذ عَشراتِ السِنين، وَنحنُ إِذ نَجتمِعُ اليوم لنؤكِّد مِن جديد لِلعالَم أَجَمع، أَننا شَعبٌ لَن تَقتُله المِحن، في وَطنٍ لَن تَقوى عَليه الشَدائِد.

نَجتمعُ اليَومَ بعدَ مُرور سَنتين على انتِشار وَباءٍ غيَّرَ مَفاهيمَ عَالمِنا، وأرسَى أُسُساً جَديدةً في مُجتمَعاتِنا، فَبِتنا نَخافُ أَن نُعانِقَ مَن نُحِبّ، ونَتَجنَّبُ مَن يُصِيبُه الوَباء، ونَتَخاطَبُ مَع أحِّبائِنا عبَر شاشاتٍ لا روحَ فيها ولا جَسَد.

فِيما عانى العَالمُ ما عَاناه من البُؤس والشَقاء الذي ولَّدَه هذا الوَباء الفتَّاك، كنّا في لبنان نُعاني مِن أزماتٍ تَتالت عَلى بَلدِنا وأَهلِنا، فإذ بِوابلٍ مِن المَصائب تَتوالى عَلينا.

فَمِن مَصارفٍ تَهاوت، فَتهالكت مَعَها طَمأنينةُ النَاسِ وانتَفت آمالُهم في ضَمانِ شَيخوخةٍ كَريمة، فبَاتوا يَستعطُون مَا جَنوه في سِنين عُمرِهِم، فلا كَرامة حُفِظت لَهم، ولا وَفاءَ تكَّرَموا بِه.

مِن وَباء المَصارِف انتَقلَت العَدوى إلى قِطاع الإستِشفَاء حَيث تَتابعت الوَيلات على بلدٍ كان يُلَّقَب بِمستشفَى الشَرق. فَبعد جَائحةِ كُورونا التي أَنهَكت القِطاع الطُبّي، تَفاقمت أَزماتُ هذا القِطاع مَع الأزَمة الإقتصَاديّة الحَادّة التي هَجَّرت مَن هَجَّرت من الأطبِّاء والمُمرضين الذين تَهافَتوا إلى الهُروب حَيثما كَان، وكَيفا ما كَان، بَحثاً عن موردِ رزقٍ وإِن كان مَصحوباً بإقتصاصٍ من كَرامَتِهم، وابتزازٍ لِعلمِهم، وإنتهازٍ لِخبرتِهم.

وكَأنَّه لَم يكفي مَا عَانى هَذا البَلد وشَعبُه، فإذا بإِنفجارٍ آثمٍ مُجرمٍ، يُمزِّق قلبَ بَيروت الحَبيبة، عَروسَ الشرقِ، وسِتَّ الدنيا، وأمَّ الشَرائِع. فتَتحوَّل شَوارِعُها مَدافِناً لأِجسادِ أبنائِها، وطُموحِ شبابِها، ووقارِ شُيوخِها. فَدُمِّر ما دُمِّر، وهُجِّر من هُجِّر، ولم تُلملَم بَعد جِراحَ من رَفضَ الخُضوع وآثَر البَقاء.

أمّا بَعد، فإذا بٍالرَكيزة الثَالثة لِكَينونةِ لُبنان تَئنُّ وتَتلَّوى مِن هَولِ ما يَحصُل. فَها هُو قِطاعُ التَعلِيم العَالي يَستجمِعُ ما تَبَقَّى مِن قِواه ليُحافِظ على ذهَبِ لُبنان الذي لا يُسرَق، ولا يُهدَر، ولا يُباع، ذهبُ العِلمِ والمَعرِفة.

هذا الكَنزُ الذي لا يَنضُب في بلدِ الثَقافة والفِكر والإِبدَاع.

صَحيحٌ أنَّها آفاتٌ عظيمة ومصائبٌ جلل، وأثرها يبدو إِلى مَا لا نِهاية،
صَحيحٌ أنَّ حَجم المَآسي ضَخم،
وصَحيحٌ أنَّ آفة اليَأس تَعاظَمت عَلى رُوحِ الأَملِ، وَلَكن مَا لَم ولَن تَستَطِيع هَذه الكوارِث أن تَفعَله هو أَن تَقضي عَلى الإِنسانِ فِينا.

إنسانُ الأملِ والتَجدُد،
إنسانُ الخَيرِ والمَحبَّة،
إنسانُ الإيمانِ والرَجَاء،
فنحن شعبٌ وإِن قُتِل ألفَ مرّة، يعودُ ليحيا ألفَ مرَّةٍ ومَرّة،
ويَبقى مُؤمِناً بِوَطنِه،
وَطنُ القِديسينَ والعَجائِب،
وَطنُ الأحلامِ والآمالِ،
وطنُ جبران خليل جبران بأجنحتِه المُتكسِّرة التي لا تلبثُ أن تَلتئِمَ ليَعلو شأنَه، فَيكونَ وطنُ نجومِ إيليا أبو ماضي الذي نَصبو أن نَحيا فيه سَبعون مِيخائيل نعيمة.

إِننا بِحاجَة إِلى رِجال دَولة يَعِيشونَ هُمومَ شَعبِهِم وآلامِهِ، كَما الرَاحِل غسان تويني، الرَئيس السَابق لِجامِعةِ البَلَمند، حِينَ عَبَّر عن غصَّةِ شَعبِه صارِخاً في مَجلِس الأمنِ: "دَعوا شَعبي يَعيش".

أيها الحًضورُ الكَريم،
جِئنا اليَوم، لا لِنشكي، ولا لِنَبكي، ولا لِنتوَّسَل، جِئنا لِنقولَ لِلعالم، أنَنا أصحابُ فِكرٍ ومَعرِفة،
أصحابُ عِلمٍ وثَقافَة،
أصحابُ رُؤية وأمَل.

جِئنا لِنُبرهِنَ لِشعبِنا المَقهور، في وَطننا المَظلوم، أننا قادِرونَ أن نجتَرِحَ الحُلول، وَنَبني ما هُدِّم، ونُرمِمَ ما دُمِّر من حَجرٍ وبَشر، لِننَتَفِضَ شَامِخين كأرزِ لبنان، أَنقِياء مِنَ الفَساد كَنقاوةِ سَمائه، وأتقِياء في خِدمةِ شَعبِه كتَقوى قِديسيه ونُسَّاكِه.

نَعم نَحنُ بلدُ العَجائِب.
عَجائبُ شعبٍ لا يركع ولايُرَّكَع.
عَجائبُ شعبٍ يستولِدُ أمَلَه من رَحِمِ أَحزانِه.
عَجائبُ شعبٍ مِعطاءٍ، يجوبُ العالَمَ ناشراً فيه ثَقافَةَ العِلم والإِبداع والمَعرِفة، وَرافِضاً أن يَبحَثَ عن وَطنٍ بديل، لِوطنٍ عَليل.

مِن هُنا، واِنطِلاقاً مِن حِسِّها الوَطنيّ، واِلتِزاماً بِنَهجِها الأَخلاقيّ، وَتَفاعُلاً معَ مُجتَمَعِها الإنسانيّ، قررَت جَامعةُ البَلمند القِيام بِهذا المُؤتَمر العِلميّ لِلخروج بِتَوصياتٍ عَمليَّة مِن أجلِ النُهوضِ بِوَطَنِنا المُتَهالِك، وَمدِّ يَدِ العَون لِشَعبِنا المُتألِّم، علَّنا نَجِدُ آذاناً صَاغيةً لِمُقرراتٍ قد تُفيدُ العِبادَ والبِلاد.

أَخيراً أّوَّدُ أن أَتَوجَّه بالشُكرِ لِكلِّ مَن ساهَمَ في إنجاحِ هذا المُؤتَمر بِحضُروِهِ وَ مُشارَكَتِه، إنطِلاقاً مِن قناعةٍ وطنيّةٍ رَاسِخةٍ عِندَ الجَميع بِأننا سَوفَ لَن نَستسلِم لِقدرٍ جَائرٍ أو مؤامراتٍ مُجرِمة.

عُشتم، عَاشت جامعة البلمند مَنبراً للإبداع، وعَاش لبُنان صَامداً بِشعبه، مُتمرِّداً على آلامِه، ومُنبعِثاً من رَمادِ الظُلمِ، والجَهلِ، والإِستِهتَار. ​
​​​


​​​​​