Graduation Ceremony

8 تموز 2023

كلمة الرئيس
الدكتور الياس وراق

في

حفل التخرج

8 تموز 2023
جامعة البلمند

صاحب الغبطة البطريرك يوحنا العاشر الكُلّي الطُوبى والجَزيل الاحترام،
أصحابَ المَعالي والسَّعادة و السِّيادة،
الزُملاء الكِرام،
الخِرِّيجيِن الأَعزّاء والأهَالي المُحترمين،
أيها الحفلُ الكريم،

يُسعدني وَيُشرِّفُني اليَوم أَن أُشَاركِكُم هَذا الحَفل السَنويّ، ولِلسنَة الخَامِسة عَلى التَوالي.

نَعَم خَمسُ سِنين قَد مَرَّت مُنذ أن تَشرَّفتُ بِتولِّي هَذه المَسؤوليّة، مَسؤوليّة رِئاسة جَامِعة البَلمند.

خَمسُ سِنين مَرَّت وَما أصعَبها. فما مِن أَزمةٍ إلّا واختَبرنَاها. فَمِن ثَورةٍ كانت بارِقةُ أَمَلٍ لِتغييرٍ مَرجوّ وَلم يَحصُل،

إلى وَباءٍ فَتَّاكٍ أودَى بِأرواحِ البَشر وَجَرَّم ضَمائِرَهم، وكَشفَ ضُعفَهم،
إلى أزمةِ مالٍ واقتِصاد، اقتصَّت مِن وَدائعِ النَاس، فَغصَّت قلوبهم لخسارة جَنى عُمرِهِم، وَتلاشَت آمالَهم بِعيشٍ رَغيدٍ في آخِرةٍ مُشّرِّفة.
وِاكتَمَلت مَآسي هَذا الوَطن المَظلُوم وَشَعبِه المَقهُور، بِانفجارٍ دَمَّر الحَجر والبَشر، فَهجَّر من بَقيَ، وهَاجَر مَن استَسلَم.

نَعم هَذه وِلايةُ الخَمسِ سَنوات. خَمسُ سَنواتٍ عِجافاً بِمرارةِ العَلقَم وَشَقَاءِ المَنكُوبِين، وَاسودادِ ليلِ الظَلامة والقَهر.

لَقد سَأَلتُ نَفسي مِراراً وَسُئِلتُ تِكراراً إذا مَا كُنتُ قَد نَدِمتُ عَلى مَا فَعَلت، ولكن صِدقاً أقَول أنّي لَو عُدتُ باِلزَمَن خَمسَ سِنينٍ إِلى الوَراء لَما اختَرتُ إلَّا أَن أكونَ عَلى مَا أنَا عليه اليَوم. نَعم لَما اختَرتُ إلّا أن أكونَ مَظلوماً مَع مَن ظُلِم مِن شَعبي، ومَقهوراً مَع مَن قُهِرَ، ومواسياً لِمَن أَصَابَتهُم الفَاجِعة.

نَعم لَما اختَرتُ إلّا أن أكونَ إِلى جَانِبِ مَن كَان بِحاجةٍ لِيدِ المُساعدة، وابتِسَامَةِ الأَمَل، وكَلمَةِ الرَجاء، ودُعاءِ المَحبَّة.

فِي هَذه الجامِعة العَزيزة وَمِن هَذا الصَرح العِلميّ تَعلَّمتُ الكَثير الكَثيرَ خِلالَ السَنواتِ الخَمس.

نَعم تَعلَّمتُ أّنَّ لَذَّةَ الَفرحِ تَكمُنُ فِي العَطاء،

وَسَببُ الوَجودِ تَستنبِطهُ الآلام، وأنَّ طُموحَ الحَياةِ يَكمُنُ فِي بَلسمَةِ جِراحِ الحُزن، وَلَملَمةِ بَقايا الأَمَل، وَزرع الرَجاء فِي النُفوسِ اليَائِسة.

نَعم لَقد تَعلَّمتُ أنَّ أسمَى مَا فِي العَطاء هُو أن نُعطيَ قَبل أَن نُسأل.
وأَسمَى مَا فِي السَعادة أَن تُسعِدَ مَن فَقدَهَا،
وأَسمَى ما في العدالة أَن تَعدِلَ في وَجه الظَالِمين.

نَعم تَعلَّمتُ الكَثيرَ مِما لا يُقرأ في كلماتٍ كُتِبَت على أَوراقٍ صَمَّاءٍ، بَل مِما يُقرأ فِي حُزنِ العُيونِ وأَلمِ القُلوبِ وَتجاعِيد الزَمنِ، وَصمتِ المَقهورِين.
تَعلَّمتُ أنَّ اليَأس هُو فُقدانُ الأَملِ،
وأنَّ الكُفرَ هو فُقدانُ الإِيمانِ،
وأنَّ الظُلمَ هو فُقدانُ العَدالةِ.

تّعلَّمتُ أنَّ الشرَّ هو فقدان الخَير، وأنَّ الظُلمةَ هي انعدامُ نور الله، فجهدتُ أن أُناضِلَ لأمَلِ اليائِس وأُصلِّي لِأَشحّذَ إيمانَ الكَافِر، وَأُجاهِرَ بِالعَدلِ لِردعِ الظّالِم، وأَستَبشِرَ بِالخالِق لِأمحوَ ظُلمَةَ اليأسِ والكُفرِ والظُلمِ.

نَعم تَعلَّمتُ كُلَّ ذَلِكَ مِن هذهِ الجَامِعة، جَامِعتكم العَزيزة.
هَذهِ الجَامعِة التي أَرَتني أنَّ العِلم والمَعرِفَةَ هِما تِرياقُ جَهلِ الشُعوب لِظلامَةِ حُكَّامِهم.

وَهِيَ أَرتنِي أنَّ أمَلَ الأَوطانِ يَكمُنُ فِي شَبابِها، وأنتُم شَبابُها. فإِن هُم حَفَظُوا أَخلَاقَهم، حَفظُوا أَوطَانَهم.

هَذِهِ هِي تَجرِبةُ الخَمسِ سَنوات.

أَقولُها لَكم لأَدعوكم أّن تَجِدوا فِي كُلِّ شِدَّةٍ فُرصةً لِتتَألَّقوا، وَفي كُلِّ أَزمَةٍ اِمتِحاناً لِتَنجَحوا، وَفي كِلِّ ضِيقةٍ دَافِعاً يَزيدُ مِن صَبرِكم وإيمانِكم.
هَذا مَا تَعلَّمتُهُ أنا، فَماذا تَعلَّمتم أَنتم؟
أَرجو أَن تَكونوا قَد تَعلَّمتم أَنَّ مَا هوَ أَسوَأ مِنَ الجَهلِ، عِلماً خَالٍ مِنَ الأَخلاقِ وَالقِيَم.

فَالجَاهِل يَبقَى خطَراً عَلى نَفسِهِ، أَمَّا العَالِم الجَاحِد لِقِيَم اللهِ والإنسان، يَكونُ خَطَراً عَلى العَالَم أَجمَع.

فَشَهَادَتَكم التي تَنالُون اليوم يُمكِن أَن تَصنَعَ مُستَقبَلاً لِعَيشٍ سَهلٍ، وَلَكِن وَحدَها مِن دُون مَبادئِ الإِنسَانيّة تَخلُق آلة تَعبُد المَال، فَلا روحَ فِيها ولَا رَجاء.

أَرجو أَن تَكونوا قَد تَعلَّمتم
أَن يَبقَى الإِيمَان فِي عُقولِكُم فَلَا تَتَكَبَّروا،
وَأَن يَبقَى الإِنسانُ فِي قُلوبِكُم فلا تَتحَجَّروا،
وَأَن يَبقَى الله فِي أرواحِكُم فَلا تَكفُروا،
لِانَّهُ فِي زَمَنِ الحَداثَةِ الذي نعيش فيه، تَكثُرُ الحَدَاثة وَيَقِلُّ الحَديث.

تَعلَّموا أنَّ الثَروة تَكونُ في مَا لا يُحصَى وَالغنى يكون في ما لا يعَدّ. وَإنَّ ثَروات المَال تَفنَى مَع أَصحَابِها، أّمَّا ثَروَات العِلمِ فَتَبقى لِصَاحِبِها وَمِن بَعدِه لِلعالَم أَجمَع.

أَرجو أَن تَكونوا قَد تَعلَّمتم أنَّ أَجمَل مَا فِي الحَياة هِيَ الحَياة نَفسَها. فَإِنَّ كُلّ يَوم نَنهَضُ فِيهِ لِنَرى نُور الشَمس هُو نِعمَة وَبَرَكة.

وَتَعلَّموا أنَّ القَنَاعة أَساس وَالطُموح ضَرورة.

وَاِبتَعِدوا عَن آفَةِ الحَسَد، فَالحَسَد هُو أَوَّل خَطيئة ظَهَرت فِي السَموات وأوَّل مَعصِيَة حَدَثَت في الأَرضِ كَما يَقولُ الجَاحِظ.

أَرجو أَن تَكونوا قَد تَعلَّمتم الحكمة مِما عَانَيتُم فِي السِنينِ المَاضِيَة، فإِذا أَصبَحتُم حُكَّامَاً لِشُعوبِكُم، وَآمَل أَن تُصبِحون، فَاحكُموا بِالعَدلِ وعَامِلوا بِالرَأَفَة، وَتَذَكَّروا أَنَّهُ إِذا تَعَاطى الحَاكِم التِجارَة، فَسَد الحِكمُ وَفَسُدَت التِجارَة.

وأتوَّجهُ كَما دَوماً إلى ضَمائِرِكُم لِتُحِّبوا وَطَنَكُم كَما تُحِّبون أَنفُسَكُم، بِأنانيِّةٍ وَشَغَفٍ ووَفاءٍ، وَإن هَجَرتَمُوه فَليَبقَى فِي قُلوبِكُم كَبذور شَجَرِ اللَّذاب التي تَبقَى عَشَرات السِنين فِي التُرابِ ثمَّ تَعودُ لِتَنبُتَ خَضَاراً يَعصَى عَلى مَرارةِ الأيَّام.

أَخِيراً أَدعو لَكُم بأيَّامٍ أَفضَل،
وأَدعُو عَليكُم بِكمٍّ مِنَ الإيمانِ ودوامٍ في الصِحَّة والعَافِية التي طَالَما ذَكَّرنِي صَاحِب الغِبطة أّنَّها أسَاسُ الدُعَاء،

وَأَستَدعِي اللَّه أَن يَبقى فِي قُلوبِكم فَلا تَنسوهُ أَو تَتناسُوه، لِتَبقَى عُقولَكم نَظيفَةً، وَقلوبَكَم طَاهِرةً، وأَيادِيكم بَيضاء،

فَمبروكٌ لَكم تَخرُّجَكم وَمُبارَكةٌ جُهود مَن ضَحّوا لِتَصِلوا إلى ما أَنتُم عَليهِ اليوم.

عُشتُم كِباراً،
عَاشَت البَلمند بِجهودِكم،
وَعَاشَ لُبنان بِكم وَفِي قُلوبِكم.
​​


​​​​​