Orthodox Church of Antioch Conference

16 تشرين الاول 2023

كلمة الرئيس
الدكتور الياس وراق

في حفل افتتاح مؤتمر

"الكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية من القرن الخامس عشر إلى القرن الثامن عشر: نحو فهمٍ دقيق للتاريخ"

16 تشرين الأول 2023
جامعة البلمند
صاحب الغبطة البطريرك يوحنا العاشر الكُلِّي الطوبى والجَزيل الإحترام،
أصحاب الفخامة والمعالي والسّعادة والسّيادة،
أيّها الحفلُ الكريم،

يُسعِدُني اليوم أن أرحِّب بِكُم في حرمِ جامعة البلمند بمناسبة هذا المؤتمر العلمي العالمي الذي يُعقَدُ للمرَّةِ الأولى في لبنان والمشرِق العربي. إنَّ هذا المؤتمر إنَمَّا هو خيرُ دليلٍ على دورِ لبنان الريادي ليسَ فقط في التربيةِ والتعليمِ العالي، وإنَّما في نشرِ المعرفةِ والتوعية بما اختَصَّ بتاريخِ الأديانِ السّماوية والحضاراتِ الإنسانية التي بدَأَتْ مفاهيمُها تضمحِّلُ وعسى ألّا تختفي.

إنَّ جامعة البلمند اليوم، وفي أكثرِ من أيِّ وقتٍ مضى، تلعبُ دوراً أساسياً في الحفاظ على المستوى الأكاديمي الجامعي الذي لَطالما تميَّزَ بهِ لبنان في الشّرقِ الأوسط والعالم.

فبالرغمِ منَ المصاعِبِ الجَمَّةِ، والأزماتِ المتكرِّرة، والمآسي اللامتناهية التي كُنّا ولم نَزَل نُعاني منها في هذا الوطن العزيز، أصرَّت جامعاتُ لبنان عامةً وجامعةُ البلمند خاصةً أن تلعبَ دوراً جوهرياً ليس فقط على الصعيد الأكاديمي وإنّما على الصعيد المجتمعي. ففي زمنٍ تضاعفت فيهِ آفاتُ المجتمع، وتعاظمَت فيهِ مآسي الناس، واختَلَطَت في العقولِ مفاهيمُ الخطأ والصواب، ومبادئُ الخيرِ والشّر، وأصولُ الدينِ وهفواتِ الهرطقة، أصرَّت جامعة البلمند أن تبقى أرثوذكسيةً ليس في الكنف الديني فَحَسبْ وإنّما بمفهومِ الرأي الصائبِ وكلام الحقِّ ومبادئِ الرحمة.

إنّنا مقتنعونَ أنَّ دورَ الجامعاتِ لا يجبُ أن يقتصرَ على إبرامِ الشّهاداتِ لخرِّيجِيها من طلابِ العلمِ، وتأمينِ مجالاتِ العملِ لهُم التي اضمحَلَّت في بَلَدِنا، فَكَثُرَت هجرةُ الشّبابِ إذا لمْ نَقُلْ تهجيرهُم.

وإنّما دورُ الجامعات يجبُ أنْ يشملَ النواحي المجتمعية التي تُعنَى بإرساءِ ضوابطِ الأخلاقِ، ومبادئِ التعايش، ومفاهيمِ الوطنيةِ والمواطنة، عَلَّنا نصلُ إلى زمنٍ نبني فيه أجيالاً تبني مجتمعاً صالحاً يستنبطُ حكاماً ليسوا بمحكومين، ومسؤولين ليسوا مرتَهَنين، ورجالَ دولةٍ يتبوؤنَ المناصبَ لخدمةِ المسؤوليةِ الموكلةِ لهم وليسَ لخدمةِ مصالحِهِم على حسابِ مسؤوليتِهِم تجاهَ شعبِهِم ووطنِهِم.

نعم هذا ما يجبُ أنْ يكونَ عليهِ دورُ الجامعاتِ وسببُ وجودِها. فهي وُجِدَت لتجمَعَ أصحابَ العلمِ والمعرفةِ لينقُلُوا العلمَ والمعرفةَ، دونَ ما تميييز لا على صعيد الطوائف، ولا المذاهب، ولا الإنتماءات، ولا الأعراق.

نعم حينَ تقومُ الجامعاتِ بهكذا دور فإنَّها تكونُ العلاج الشافي لمرض التطرف، وآفة الجهلِ وعلَّةِ الفساد التي لطالما عانَى منها العالمُ أجمع، ولاسيَّما وطنَنَا المقهور وشعبَهُ المعذَّب. إضافة إلى أنَّ دورَ الجامعاتِ المحوري يجبُ أن يبقى في تجسيدِ القيمِ في الإنسان فتحميهِ من مفاهيمِ الهرطقة التي تقوِّضُ أُسُسَ بناءِ العائلة ويتصدعُ معها كيانُ المجتمع.

نَعَم حينَ تقومُ الجامعات بهذهِ الرسالةِ، ينتفي وجودُ الظالمين، ويختفي حضورُ أباطرةِ الحرب، حيث نَشْهدُ أنّ العالمَ اليوم محكومٌ بجنونِ العَظَمَةِ لحكامٍ موتورين يعشقون الحروبَ ويعبدونَ إراقةَ دماءِ الأبرياءِ ويحيونَ لاغتصابِ ثرواتِ الطبيعةِ والبشر لإشباعِ شَبَقِهِم بالسّلطةِ والنفوذِ والمال.

نعم هذا زمنُ التهجيرِ والتدميرِ والمجازر وكلُّ ذلكَ يحصلُ على مرأى ومسمعِ دعاةِ الدمقراطية وحقوقِ الإنسان فبئسَ تلكَ الديمقراطية ورَحِمَ اللهُ حقوقَ الإنسان.

نحنُ سَنَبقى على عهدِنا ورسالتِنا، وسنبقى بذوراً وجذوراً. بذوراً للخيرِ والسّلام والمحبة وجذوراً تحفظُ بقاءَنا في مجتمَعِنا ووطنِنا وتزيدُ ترسُّخَنا في مبادئِ القيمِ والأخلاق.

نعم سنبقى دعاةَ خيرٍ ومحبةٍ وسلام. وسنبقى دعاةَ وحدةٍ فندعو لوحدةِ الكنائسِ لتصبحَ كنيسةً واحدةً جامعة مقدسة رسولية ووحدةِ المساجد فتتشارَك بالتكبير لإلهٍ لا شريكَ له، عَلَّ الجميع يتوحدون في عبادةِ إلهٍ واحدٍ خالقِ السّماءِ والأرض، لا يفرِّقُ بينهم لأنّهم كلّهم عياله.

أخيراً، أودُّ أنْ أُرحِّبَ بِكُم مجدداً في رحابِ هذا الصرحِ العلميّ المقدس داعياً ربَّ العالمينَ أنْ يجعَلَنا قادرينَ على إبقاءِ كلمةَ الحقِّ في أقوالِنا، وترسيخِ نورِ الإيمانِ في عقولِنا، وتجسيدِ الرحمةِ في قلوبِنا.

عشْتُم، عاشَت البلمند منبراً للحق والعدالةِ والرحمة.

وعاشَ لبنان عاصياً على المتآمرينَ عليه والطامعينَ به.

وشُكراً.


​​​​​