President's Speech during the 2024 Graduation Ceremony

6 تموز 2024

كلمة الرئيس
الدكتور الياس وراق

في

حفل التخرج

6 تموز 2024
جامعة البلمند

صاحب الغبطة البطريرك يوحنا العاشر الكُلِّي الطُوبى والجَزيل الاحترام،
أصحابَ المَعالي والسَّعادة و السِّيادة،
الزُملاء الأساتذة الكِرام،
الخِرِّيجيِن الأَعزّاء والأهَالي المُحترمين،
الحضور الكريم،

كما في كلِّ عامٍ نَجتَمِعُ اليومَ للاحتِفَالِ بثمَرَةِ نجاحِ خِرِّيجيِنا ولِنُشارِكَ أهالِيهِم الكِرَام فرحةَ هَذا الإِنجَاز.

إنَّها السَّنَةُ السَّادِسَةُ مُنْذُ تولّيي مَسؤوليةَ رئاسَةِ هذِهِ الجامعةِ العزيزَةِ على قُلُوبِنا جَميعاً.

وَفي كلِّ مرّةٍ أَقِفُ في هَذا الحفلِ أتَسَاءَلُ وأسْأَلُ نفسي كَمْ كُنَّا أوفياءَ في حِفْظِ هذِهِ الأمانةِ التي أودعَنَا إِيَّاها أهَالي خِرِّيجِينا.
أتساءَلُ هَلْ كُنَّا أُمَنَاءَ كِفَايةً في نَقْلِ رِسَالةِ العِلمِ والثقافَةِ جَنْباً إلى جَنبٍ مَعَ رِسالةِ المبادئِ الإنسانيةِ، ومكارمِ الأخلاقِ، ومخافةِ الله، وحِفْظِ تَعاليمِه.

وَفي كلِّ مرَّةٍ يكونُ هذا التساؤلَ هو الدافعُ الأسَاس لأَنْ نَتَوخَّى الحِرصَ في إِيداءِ واجِبِنا تِجاهَ طُلابِنَا، تِجاهَكُم أَنْتُم، وتِجاهَ أولِيائِكُم، خصوصاً في هَذا الزَمنِ الذي نَعيشُهُ.

إنَّنَا اليَوم نَحيا في زمنٍ، تَتَعاقَبُ عَلَيهِ أزَماتٍ لَم نَحلُم يَوماً بِمَثيلٍ لها. وكُلّما اِنتَهت إِحدَى هذِهِ الأزماتِ، نَجِدُ أَنفُسَنا نُعَايِشُ ما هوَ أعظَمُ سُوءاً وأشَدُّ بُؤْسَاً.

فإذا استَعْرَضْنا السَّنَواتِ الخمسِ الماضِيَة، نجدُ أنَّ البَشَريةَ جَمْعاء قَدْ عَصَفَت بِها شرورٌ عَدِيدَة وأزماتٌ كَثِيرة. وإذا تَمَعَنَّا في هذِهِ المَصائِبِ والمَصاعِبِ، نَجِدُ أنَّ العَامِلَ المُشتركَ بَينها يتَمَثَّلُ بأَنَّها مِن صُنعِ أَيدِينا. فَجميعُها صَادرٌ عن شراهَةِ الإنسانِ، وشراسَتِه، وتَتَمَحوَرُ حَولَ تَوْقِهِ للسُّلطَةِ المُطلقَةِ، وجَشَعِهِ اللامُتَنَاهي.

فَبَعدَ أَنْ اجتَزْنا مَعموديَةَ النارِ في وَباءِ كورونا، كُنَّا نأمَلُ أَنْ تَعودَ الإنسانيّةُ إلى مَبادِئِ خالِقِها، فَتَأخُذُ العِبَرَ مِمَّا حَلَّ بِها، عَلَّ ذَلِكَ يُوقِظُ بِها شعورَ الرَحمةِ والرأفَةِ، وَيُعيدُ دِفئَ المحبَّةِ إلى قُلُوبِ البَشر.

ولَكِنْ لِلأَسَف، ازدَادَ ظُلمُ الإنسانِ وتَعاظَمَ بطَشُهُ، وتَضاعَفَت كِبرياؤُهُ، وتَمادَت عنجَهيّتهُ، وَتباهَى بِألوهيَّتِه القَائمِة عَلى مالٍ مَنهوبٍ مِن جُيوبِ الجَائعينَ في الأَرضِ، وَسُلطةٍ زَائلةٍ زَائفةٍ قَائمة عَلى الظُلمِ واستِعبادِ البَشر.

وَلَم نَكتَفي بِما جَنَتهُ أَيديِنا فِي خَلقِ أَوبئةٍ إقتصَّت مِن أَرواحِ مَن نُحِبّ، بَل انتَقَلنا إلى حُروبٍ عَبثيّةٍ، تَقتُلُ مَن تقَتُل، وتُهَجِّرُ مَن تُهَجِّر، وتُدَمِّرُ مَا تدَمِّر، فَقط لِيحيا أبَاطِرةُ الحَربِ فِي دُولٍ تَدَّعي العَظَمَة، عَظمةً تَقومُ عَلى نَهبِ مُقدَّراتِ دُولٍ ضَعيفةٍ وَشعوبٍ مُستضعَفةٍ. فَأَصبَحَ القَتلُ يُغَطَّى بِالدِيمقرَاطيَّة وَالإجرامُ بِحضَارَةِ الشُعُوب.

وَالأَسوأُ مِن كُلِّ ذَلك، إِنَّ كُلَّ هَذِهِ الحُروبِ والمَجازِر تَجري عَلى مَرأى دُولِ العَالم، في مَجلِسِ أُممٍ، مُتحدّةٍ عَلى تَقاسُمِ المَغانِم، وَمُتآمرةٍ على شُعوبِها، وَمُتجانسةٍ فِي غيِّها وَغوغائِيتِها.

وَبعدَ كُلِّ هَذا نَعودُ لِنتبَاهى بابتِكاراتِنا العِلميّة وآخِرُها وليس بآخِرِها الذكاء الإصطناعي.

وَمَا أدرَاكَ مَا الذَكاء الإِصطِناعي. إِنَّهُ ذَكاءٌ مُستَنَبطٌ مِن ذَكاءِ البَشر لِيَحُلَّ مَحَلَّهُ، فَتتَحوَّل بَداهةُ الإِنسانِ إلى شىءٍ مِنَ المَاضِي، وَصفة كَانت لِعقولِ البَشر.

فالذَكاء الإصطِناعي إِذا ما استمَرينا بِسوءِ استِعمَالهِ فَسوفَ يُفكِّرُ عَنَّا، ويُخطِطُ عَنَّا، وَيرسُمُ لَنا مُستقبلاً نُصبِحُ فِيهِ آلاتٍ تَتحكمُ بِها آلاتٍ، لَا روحَ فِيها ولا جَسَد.

أَقولُ كُلَّ هَذا لا لِزرعِ اليَأسِ فِي قُلوبكِم، ولَكِن بالعكس لِأُظهِر لَكم مَدى المَسؤوليّةِ المُلقاةِ عَلى عاتِقكُم، مَسؤوليةَ أن تَجعلوا عِلمَكُم يَعملُ لِمصلحةِ عَالمَكُم، وَأن تَجعلوا عُقولَكُم تُفكِّرُ بِما فِيهِ خَيرِ العَالم، وَأن تُدرِكوا أَهميّةَ أَن تَحفظوا الإِنسان فِيكم، مَهما عَلا شَأنكم في مَيادينِ العِلمِ والمَعرِفة.

أَدعُوكم أَن تَجعلوا التَواضُعَ يَطغى عَلى رَغبةِ الكِبرياءِ اذا ازدادَ عِلمُكُم، وَكَبُرت ثَقافَتُكم، وَبالأخصِّ إذا كَثُرَ مَالُكم. فاحذَروا مِن وباءِ المَالِ وَمِن إِغراءِ السُلطةِ. وَتَذكَّروا قَولَ الإِمامُ علي بن أبي طالِب:

دَعِ الحِرصَ عَلى الدُنيا وَفي العَيشِ فَلا تَطمَع
وَلا تَجمع مِنَ المالِ فَلا تَدري لِمَن تَجمَع

أمَّا الحَامي الأَكبر في حَياتِكم، فَليكُن رِضا الله، وَرِضا الوَالِدين. فالأَوَّل يُجنِّبُكم وَيلاتَ الشَرِّ وإِغراءِ شَياطينِ الأَرض، وَالثَاني هُو برَكةٌ لَا تَنضَب مَا دُمتم أَحياءَ تُرزقون.

أَمَّا بَعد وَأنتُم في بِدايةِ حَياتكِم العَمليَّة، فَأُوصِيكم كَما دَوماً، أَن لا تَنسوا أَهلاً تَكبَّدوا المَشقَّاتَ لِتصلوا إِلى مَا أَنتم عَليهِ، وَابقوا أَوفياءَ لِمُجتَمعٍ أَعطاكُم تَعاضُداً وَدَعماً وَتآزُراً، وَوطناً، وَإِن كَثُرت آفاتِهِ، يبقى إرثكُم الأول والأخير.

إعملوا لِتصويبِ ما ومن اِنحرَفَ في مُجتَمَعِكُم، واجهَدوا لِجعلِ وَطَنِكم يُشبِهُ أسمَى أحلامِكم، لتتركوا لأجيالِهِ ثِمارَ الخَيرِ والبَرَكة، وَلِتَبقى ذِكراكُم فيِهِ رَاسخةً كَأَرزِ جِبالِهِ، وَلِتَستمِّرَ أياديكم البيضاء رافعةً لِشرور المؤامرات التي تَعصِفُ بِهِ وَبِشَعبِه.

أَخيراً، مَبروكٌ لكم تَخرّجكم، ومَبروكٌ لِأَهلِكُم سَعيَهُم المُبارَك، وَمبرُوكٌ لِأساتِذتكِم وَكُلِّ مَن سَاهمَ في عِلمِكُم بِكلِّ تَفانٍ وَعَطاء.

عُشتم كِباراً بِإنسانيَّتِكم،

عَاشَت جَامعِةُ البَلمندِ صَرحاً حَافِظاً لِلإنسانِ فِيكُم،

وَعَاشَ لُبنان بِكم أجيالاً تَنزَعُ عَنهُ ثَوبَ الفسَادِ وتُلبِسُهُ رِداءَ العَدلِ والسَلامِ وَالطُمأنِينة.
​​​​​


​​​​​